بقلم: فراس أبو شرخ
عاد لنستدرك أياماً فرطنا بها، وأوقاتاً ضيعناها ما بين استغراق في مباح أو عدم اكتراث بمستحب، أو غفلة عن واجب، أو انهماك في مكروه، أو اقتراب من حرام..
عاد سيّد الشهور لنستكثر فيه من الحسنات، ولتكثر فيه الرحمات والمغفرات..
أجل عاد..
فأهلا بمن جاء يشفي ألم الفراق، وجراح هجر القرآن..
أهلاً بشهر جاء يسقي النفوس العطشى والقلوب الظمأى..
بلى قد عاد..
لنشعر بحاجتنا إلى نقلة نوعية في أنفسنا نتجاوز بها سقطات الماضي، ونكتب من خلالها أسطراً بيضاء في كتاب حياتنا، نبرهن بها على صدق اللقاء مع شهر رمضان، ثم لقاء الرحمن..
كم يقتلنا الروتين طيلة سنة تمضي بنا في دروب الحياة؟!
فيأتي رمضان شهراً مليئاً بالحيوية والنشاط والبركة، وقدرة على التغيير ونفض غبار الكسل ومحو الذنوب، ولنجني أجوراً تبدأ من الليل إلى الليل، تكثر مع فورتك، وتقل بفتورك..
عاد رمضان..
شهر الذنب فيه مغفور، والسعي فيه مشكور، والمؤمن فيه محبور، وقلب المؤمن فيه بذكر الله معمور، والشيطان فيه مدحور، والإثم فيه مهجور..
عاد شهر الصيام..
عاد سريعاً ليذكرنا بعمرنا المحدود، وأيامنا القصيرة، في ظل حياة فيها مغريات لا تنتهي، مع نفس أمارة بالسوء، وشياطين متربصة بنا كل طريق، فأيامنا تطول ببركة الطاعات، ونفوسنا يُقْمَع شرّها بفعل الجوع والعطش، وشياطيننا مُصَفَّدَة، ولم يبق إلا التشمير والمسارعة نحو الخيرات.
عاد شهر الصبر..
صبر على طاعات تورثنا نوراً نمشي به في الناس وعلى الصراط يوم الحساب، وصبر عن نزواتنا التي ترهق أرواحنا بأثقالها المادية، وصبر على آلام تلم بنا من قريب حسود، أو بعيد متجهم، أو عدو يملك أمرنا، وصبر على نكد الحياة، على ولد تحمله رعونة فتوته على ردّ أمرك، وعلى أب متسلط لا يرضيه شيء، وعلى وزوجة تكفر العشير، وعلى زوج لا يعاشر بالمعروف، وعلى جار كومة حجار خير منه، وعلى سائق متهور طائش، وعلى بائع ضاق خُلُقُه، وعلى أجير ناله التعب فارتفع صوته، وعلى زميل لا ينفك مكره، وعلى ….
عاد شهر القوة..
قوة فكرة الإسلام المُتجذرة في قلوبنا، المتقدة في نفوسنا، فكرة تورثنا شعور العزة، وتحملنا فوق السحاب إباء وكرامة.
قوة الإرادة التي تدفعنا لسلوك دروب الخير الكثيرة المتنوعة، لنكون كجدول رقراق ينثر الخير حيثما سار، ويسقي عطش الخلق كلهم، فينال خيرُه البشر والنبات والحيوان.
قوة الساعد التي تتلهف الأمة لترفع أيدها بها وتهزها في وجه الطغاة والبغاة والعداة، فتتناثر عن جسدها معان الذل والهزيمة والتخاذل والتفرق.
رمضان شهر العمل والاجتهاد، والعطاء والبذل، وقراءة القرآن والقيام، وصلة الأرحام والبرّ، والزكاة والصدقة، وإدخال السرور على المسلمين، وقضاء حوائج المحتاجين، والجهاد في سبيل الله، والمشي إلى المساجد والاعتكاف، وطلب العلم وسماع دروسه.
فلنحرص جميعاً على اغتنام هذه الفرصة العظيمة التي قد لا تعود مرة أخرى علينا، ولنغنم معاً هذا الموسم العظيم في رضا المولى عزّ وجلّ، ولا نكون ممن استحقوا ويلاً بإدراكهم رمضان دون أن يغفر الله تعالى لهم.