الرئيسيةمقالاترضي الله عنهم ورضوا عنه
مقالات

رضي الله عنهم ورضوا عنه

بقلم: د. عمار مناع

كثير من الناس يفني حياته ويبذل قصارى جهده، ويفعل كل ما يستطيع، ويضحي بالغالي والنفيس لينال رضا محبوبه، فيطير فرحاً لنظرةٍ صائبة، ويهيم أملاً لابتسامة لطيفة، ويطرب لكلمة رقيقة، فينسى شقاءه ويتلاشى تعبه، ويبيت ليله قرير العين هانئاً، يرجو أن لا يطول نومه ليحظى برؤية محبوبه، ويمتع نفسه بحبه ورضاه.

والإنسان غالباً ما يُيَمِّمُ وجهه لمحبوب اختاره وارتضاه، فيجعله مقصده، لا يرى غيره، فتجد هذا يحرص على اتباع هواه استجابة لنداء شهوات نفسه الأمارة بالسوء، وذاك يعمل ما استطاع لارضاء زوجه أو ولده، وآخر يسعى دائما لمال أو جاه أو منصب، يطلب منها ما يُقنع ذاته، ويُرضي نهمه، ويلبي تطلعاته، مهما كانت الوسيلة لذلك، وهناك من يذلّ نفسه ويطاطئ رأسه طاعة وخضوعا لسيده أو رئيسه، وتجد من لا يتوانى عن تنفيذ ما يؤمر به ليسعد بكلمة شكر تعبر عن تقدير مديره أو ولي نعمته، وتتعدد الصور التي لا يسعها المقام، والتي تتنوع بقدر مقاصد البشر، وغاياتهم التي لا تنتهي، ولا تقف عند حد، وما يجمعهم أن كل واحد منهم يغدو أو يروح وأكبر همّه ومبلغ علمه هو الرضا ممّن اختاره محبوباً، وجعله وجهته وقبلته.

لكن غاية العقلاء، ومبتغى السائرين، ومنتهى القاصدين، وراحة العالمين في رضا الإله سبحانه وتعالى.

فما أجمله ذلك النداء الخالد: “رضي الله عنهم ورضوا عنه” تتسلل كلماته رقراقة إلى النفس فتملؤها يقيناً وثقة، تقع في القلب فيقرّ ويطمئن، وترفرف الروح تتسامى في حضرة الرضا الإلهي، فلا تملك الرقاب إلّا الخضوع إمعاناً في إعلان الرضا منها لتحصيل الرضا منه عز وجل.

وكأني بالكون بأرجائه، أرضه وسمائه وما فيهما وما بينهما، الشمس والقمر، والنجم والشجر، الرمل والحجر، البحر والنهر، وما وُجد ومن خُلِق، كلٌّ يردد بلغَته ولسانه: “رضي الله عنهم ورضوا عنه” ليكون الصدى لذاك النداء العظيم من رب عظيم لجبريل عليه السلام إعلاناً من المولى سبحانه عن حبِّه لمن سعى لرضاه، فلا يملك جبريل إلّا أن يحبه، كيف لا وقد أحبّه سبحانه عزّ في عُلاه، ويردد جبريل ويتردد صوته، فيخفق قلب الحياة بتلك المحبة الإلهية، يترنم بها ويفيض يملأ أركان الوجود منها، فلا يبقى شيء أقلته أرض وأظلته سماء إلّا وتلمَّسَ أثر ذلك الرضا وشعر بتلك المحبة.

إن رضا الله -عز وجل- يُحقق كل رضا، وحبه يُحصٍّل كل حب، فمن حرص على رضى الله سبحانه رضي عنه وأرضى عنه الخلق، ومن ملأ حبّ الله قلبه ملأ اللهُ الكون بحبه، وأما من أرضى الناس ولو بسخط الله فلا يرجع إلّا وقد سخط عليه ربه وخالقه وأسخط عليه الخلق.

فالكيس الفطن من كان هذا هدفه وحرص عليه، وقضى عمره في تحصيله، والجاهل من غفل أو تغافل، مَنْ قَصَّر وقعد وتكاسل، ومن عاش يتقلب فيما يغضب ربّه ولا يأبه برضاه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *