الرئيسيةمقالاتوعجلت إليك رب لترضى
مقالات

وعجلت إليك رب لترضى

بقلم: د. عمار مناع

تتوق الروح وَتسمو إلى تلك اللحظة في أعماق التاريخ عندما تعانقت تلك النفخة والنفحة من روح الله مع جسد الطين الميت، لينتفض بين الأحياء، فما دبّت فيه حياة إلّا بوصل ربّه، وليبقى ذاك الوصل سرّ حياتنا، “أَوَمَنْ كان ميتاً فأحييناه”.

فكم من نفوس ميتة في أجساد متحركة لأنها فقدت أثر تلك النفخة المتسامية؟!

وكيف يتنكب القاصدون السائرون الطريق إلى ربهم ويضلّون السبيل؟!

وكيف يزهد المحتاجون الضعفاء بخالقهم ويستغنون عن عونه؟!

وأين المفر إن غضب ولم يرضَ؟!!

ففروا إلى الله، والهجوا له بالدعاء مع دعاء نبيكم “اللهم إن لم يكن بك عليّ غضبٌ فلا أُبالي”.

فكل مخلوق يخضع لعظمة ربنا، هو الكبير المتعال، مالك كل شيء ومليكه، له الكبرياء جلّ ثناؤه، الغني الحميد، وما سواه محتاج إليه، وسع كرسيه السماوات والأرض، فماذا يريد المرء أكثر من رضاه؟!!

إن من رضي الله عنه وأكرمه، حاز سعادة الدارين، “فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة” فيكون التوفيق حليفه في الدنيا، ومأواه نعيم الجنان في الآخرة، كل ذلك في كنف محبة الله عز وجل.

فما أهنأها تلك الحياة عندما تستشعر رضاه متجلياً في كل ما حولك، وأنت تمضي في طريقك تَضُمِّ في جوانحك الرضا عن ربك، تترنم برضاه عنكِ، فتنتشي فخراً، وتشمخ عزةَ بتلك العلاقة المميزة، التي جمعتك مع محبوبك، فيهتف قلبك فرحاً ويلهج لسانك متغنياَ “رضي الله عنهم ورضوا عنه”

ولكن فلنعلم أن الطريق إلى رضاه حُفَّت بالمكاره، وزخرت بالمشاق، وحفلت بالابتلاءات، وهي بحاجة إلى سعي متواصل لا يتوقف، وجد واجتهاد لا ينقطع، بحاجة إلى الاتباع والطاعة، والخضوع والاستسلام، الإيمان والعمل الصالح.

فشمروا عن ساعد الجد، وانصبوا أنفسكم بين يدي خالقكم، واصعدوا وارقِوا في معارج الصاعدين إليه، وطيِّبوا ثغوركم بذكره ليلاً ونهاراً، واغرفوا من بحر حبّه، واملئوا قلوبكم تحناناً وهياماً.

فرّوا من غضبه إلى رضاه، فرار صغير إلى حضن أمّه يتقي غضبها، ويَسْتَدِر عطفها، ويستجلب رضاها، والله أرحم.

كونوا مع الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع تتبتلون خوفاً وطمعاً، يدعو قلبكم ويؤمن لسانكم، تتوسلون وتطلبون القرب فتأنسون بلقائه، وتبلغون القصد، وتتلذذون وتنعمون برضاه.

ارفعوا شعار السالكين: “وعجلت إليك ربِّ لترضى”، وحثوا الخطو نحوه ما دام فيكم بقية روح، وتردُّدِ نَفَس، وخفق لكم جنان.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *